فتوى 17
فتوى 17
السؤال: *ماحكم التسويق الشبكي ؟*
الجواب :
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن *~الصورة المشهورة~* المتداولة لشركات التسويق هي: نظام تسويق لديه منتجات للبيع، يعتمد على شبكة من العملاء يقومون ببيع منتجات الشركة المسوقة، إلا أنه يشترط الشراء للمنتج أولًا لمن يريد التسويق، وكل مشترك يقنع من بعده بالاشتراك مقابل العمولات الكبيرة التي يمكن أن يحصل عليها إذا نجح في ضم مشتركين جدد يلونه في قائمة الأعضاء.
وأما التكييف الفقهي لمعاملات التسويق الشبكي فالظاهر أنه بيع نقود بنقود؛ *ولذا فالحكم الشرعي في التسويق الشبكي ~التحريم~*؛ لأمور:
أولاً:* أنها اشتملت على الربا بنوعيه، ربا الفضل وربا النسيئة،
فالمشترك يدفع مبلغاً قليلاً من المال ليحصل على مبلغ كبير منه، فهي بيع نقود بنقود مع التفاضل والتأخير، وهذا هو الربا المحرم بالنصوص القطعية من كتاب الله عز وجل ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أجمعت الأمة على تحريمه.
والمنتج الذي تبيعه الشركة على العميل ما هو إلا ستار للمبادلة؛ لأن المقصود غالبًا إنما هو العمولات؛ ولذا قد تكون السلعة محل العقد ليست ذات قيمة مالية معتبرة شرعا، ولا ينتفع بها؛ لأنها غير مقصودة للمشتري، فلا تأثير لها في الحكم. وهذه الحيلة لا تزيد الحكم إلا تحريمًا.
*ثانيًا:* أنها من الغرر المحرم شرعاً؛ لجهالة العاقبة،
فقد يحصل المشارك على العمولة إذا تمكن من إحضار العدد المطلوب من المشتركين الآخرين، وقد يخسر إذا لم يتمكن من إحضارهم،
وهذا هو وجه المقامرة، وحقيقة الغرر: التردد بين أمرين أغلبهما أخوفهما، وهو منهي عنه، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغرر"،
والمشترك لا يدري هل ينجح في تحصيل العدد المطلوب من المشتركين أم لا؟ والواقع أن أصحاب الشركة والمتربعين على رأس الهرم هم من يجنون الأرباح الطائلة على حساب الطبقة الدنيا الذين يغلب عليهم الخسارة.
ومما يضاعف احتمال الخسارة اشتراط شروط تزيد من نسبة احتمال الفشل، مثل اشتراط بعض الشركات النظام الثنائي؛ بحيث يشترط فيها تحقيق التوازن من الجانبين، لكل عميل مشترك على اليمين ومشترك على اليسار، فإذا كان المطلوب أن تسوق إلى ستة أشخاص، فيجب أن يكون هناك ثلاثة إلى جهة اليمين، وثلاثة إلى جهة اليسار، فإذا أحضر الموزع شخصًا من جهة اليمين وستة أشخاص من جهة اليسار فإن المسوق لا يربح شيئا؛ لأنه لم يحقق التوازن المطلوب.
*ثالثًا:* اشتماله على القمار والميسر الذي ورد الشرع بتحريمه لما فيه من المخاطرة، قال الله تعالى:(ياأيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) [المائدة: ٩٠].
وأخذ العمولات عليه ليس من السمسرة الشرعية في كثير من صوره المنتشرة اليوم، بل هو من باب الميسر والمقامرة المحرمة؛
لأن المشتركين عادة إنما غرضهم تحصيل العمولات على إحضار زبائن آخرين، فإذا جلب المشترك عددًا من الزبائن، وحقق شروط الشركة أخذ عمولته التي قد تزيد أو قد تنقص عن المبلغ الذي دفعه ابتداء، وإذا فشل خسر المبلغ كله، وهذا الاحتمال ُيد خل المعاملة في شبهة الغرر والميسر.
فمناط التحريم هو اضطرار المشترك إلى دفع مال مسبقًا، سواء على سبيل الاشتراك أو على سبيل شراء بضاعة غير مقصودة.
رابعًا:* تحقق الاحتيال والنصب في التسويق الشبكي وبيع الوهم للعملاء، واستنزاف أموال المجتمع وثرواته، وأكل أموال الناس بالباطل، وإشغال كثير من الناس عن التركيز على الأعمال المأمونة مسلكا المثمرة عادة.
ولأجل ما ذكر تعاقبت الدول على التحذير من هذه الشركات وإبطال قانونيتها ومحاسبة القائمين عليها.
وأما اعتبار العمولات من باب السمسرة أو الهبة فقد أجابت عنه اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية فتوى رقم (22935) وتاريخ 14/3/1425هـ بقولها: "وأما القول بأن هذا التعامل من السمسرة، فهذا غير صحيح، إذ السمسرة عقد يحصل السمسار بموجبه على أجر لقاء بيع السلعة، أما التسويق الشبكي فإن المشترك هو الذي يدفع الأجر لتسويق المنتج، كما أن السمسرة مقصودها تسويق السلعة حقيقة، بخلاف التسويق الشبكي فإن المقصود الحقيقي منه هو تسويق العمولات وليس المنتج، ولهذا فإن المشترك يسوِّق لمن يُسوِّق، هكذا بخلاف السمسرة التي يُسوق فيها السمسار لمن يريد السلعة حقيقة، فالفرق بين الأمرين ظاهر.
وأما القول بأن العمولات من باب الهبة فليس بصحيح،
ولو سُلِّمَ فليس كل هبة جائزة شرعاً، فالهبة على القرض ربا.
والهبة تأخذ حكم السبب الذي وجدت لأجله،
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في العامل الذي جاء يقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فقال عليه الصلاة والسلام: "أفلا جلست في بيت أبيك وأمك فتنظر أيهدى إليك أم لا؟" متفق عليه.
وهذه العمولات إنما وجدت لأجل الاشتراك في التسويق الشبكي، فمهما أعطيت من الأسماء، سواء هدية أو هبة أو غير ذلك، فلا يغير ذلك من حقيقتها وحكمها شيئاً" اهـ.
*ولا يصح بعد كل ما تقدم من المفاسد والايرادات الاستدلال على شرعية هذا التعامل بالقول بأن الأصل في المعاملات الحل* ، مع العلم أن الخلاف المتقدم إنما هو فيما إذا كانت السلعة حلالًا، فإن كانت محرمة فلا خلاف في حرمة بيعها والترويج لها.
وفي الختام: يجب على المسلم الاحتياط لدينه، وترك المشتبهات، وتجنب المطعم الحرام، والحرص على الكسب الطيب فثمة الخير والبركة. والله أعلى وأعلم.