فتوى 19
فتوى 19
السؤال :
هل يرى علماء الدين من رخصة شرعية للعروس التي تزينت بأغلى أنواع الزينة والمكياج والتسريحات بتكاليف باهضة، ويشق عليها غسلها، وبه تضيع ساعات التزين الكثيرة، والأموال الطائلة المصروفة في ذلك. *فهل لها رخصة في جمع الصلاتين لهذا العذر - وفقكم الله لما يحبه ويرضاه -؟*
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن أهم شروط الصلاة وأوكدها الوقت، *كما قال الله تعالى: ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا )*[النساء: 103]، وقد أجمل الله عز وجل أوقات الصلوات في كتابه الكريم، وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم مفصلة في سنته.
فلا يجوز تقديم صلاة من الصلوات الخمس قبل وقتها المعين، ولا يجوز تأخيرها عنه، *إلا لعذر*،
فيتعين على المسلم أداؤها في وقتها، بحسب حاله، وفي حدود استطاعته، وإلا كان بتأخيرها آثما متعديا لحدود الله، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، وقد توعد الله الساهين عن صلواتهم المتهاونين بها بالويل، *فقال سبحانه: ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون )*[ الماعون: 4-5] قال طائفة من السلف: هم الذين يؤخرونها عن وقتها.
*لكن من تيسير الله على عباده ورحمته بهم أنه وسع عليهم،*
فرخص لهم أن يجمعوا بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء فيما إذا عرض لهم عذر يشق عليهم معه أن يصلوا الصلاة في وقتها،
*فيجوز عند المشقة – سفرًا أو حضرًا – الجمع بين الصلاتين جمعًا حقيقيًّا، إما جمع تقديم، وإما جمع تأخير، على حسب ما يتيسر؛*
*لقول الله تعالى: ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )*[البقرة: 185]؛
ولما ثبت في صحيح مسلم برقم(705) *من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة، في غير خوف، ولا مطر"* في حديث وكيع: قال: قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: *"كي لا يحرج أمته"*، وفي حديث أبي معاوية: قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: *"أراد أن لا يحرج أمته"* أي: ألا يلحقها حرج في ترك الجمع،
وهذا الفهم من ابن عباس المفقه في الدين نص على أن المشقة هي مناط الحكم في الجمع.
*فالحديث واضح وصريح في مشروعية الجمع للحاجة.*
قال ابن المنذر: ولا معنى لحمل الأمر فيه على عذر من الأعذار؛ لأن ابن عباس قد أخبر بالعلة فيه، وهو قوله: "أراد ألا تحرج أمته".
وحكي عن ابن سيرين وابن شبرمة: أنهما كانا لا يريان بأسا أن يجمع بين الصلاتين، إذا كانت حاجة أو شيء، ما لم يتخذه عادة.
*ومن الحرج المرفوع الذي تشمله الرخصة*: *الجمع بين الصلاتين للعروس - تقديمًا أو تأخيرًا - رفعًا للحرج الذي يلحقها بأداء كل صلاة في وقتها*؛
من أموال تهدر،
وجهود تبذل،
وأوقات تضيع وتشغل،
وإرباك لترتيبات الحفل وحاضريه،
*ولكن هذا الترخيص إنما تلجأ إليه بعد أن تبذل وسعها وتحتاط لصلاتها*؛ بتقديم وقت التزين، أو تأخيره، أو تخفيفه، أو تجزئته بما لا يتعارض مع وقت الصلاة.
*~ومما يؤيد هذ القول~*:
أن المشقة اللاحقة بإزالة الزينة للعروس أعظم من المشقة اللاحقة لبعض ما شرع له الجمع من الأعذار، *كتشريع الجمع للمستحاضة لمشقة تكرار الغسل*، فكانت أولى بالترخيص،
وقد اعتبر أهل العلم ما هو دون ذلك من الأعذار مسوغًا للجمع،
فقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله جواز الجمع للطباخ والخباز ونحوهما ممن يخشى فساد ماله ومال غيره بترك الجمع.
*ولعل مما يقوي القول بالترخيص للعروس بالجمع بين الصلاتين ما يخشى من ترك العروس للصلاة بالكلية كما هو حال الكثير منهن*.
*فللعروس ولمن يلحقها حرج مثل الذي يلحق العروس أو يقاربه – كالأم والأخت –* الترخص بالجمع بين الصلاتين للمشقة، وهي تجلب التيسير،
*لكن من غير أن يتخذ ذلك ديدنًا وعادة، وتقلب الرخصة عزيمة*.
ونؤكد في الختام على أنه لا ينبغي للزوجين أن يستقبلا حياتهما الزوجية بالتفريط في فريضة من أهم فرائض الله تعالى، فلا يبارك لهما، ولا يجمع بينما على خير. ولو سلكت النساء في أعراسهن قصد السبيل في التزين وتركن التكلف والإسراف فيه والذهاب إلى الكوافيرات والصوالين لكان ذلك أوفر للمال، وأسلم للدين، وأرجى لحصول بركة النكاح، وأقرب للتقوى.
والله أعلم.