المقالات والمطويات » المقالات » فقة منتجات العمل الخيري » الأسهم الوقفية في الشركات المساهمة

الأسهم الوقفية في الشركات المساهمة

الأسهم الوقفية في الشركات المساهمة

تأثر فقه الوقف كغيره بالتطورات الحادثة في المجتمعات، وبالإفرازات المتلاحقة لصور الحوائج المتزايدة، فعاش مع الناس بين تطور الاحتياجات، واحتياجات التطور، مما دعا المؤسسات الخيرية إلى صور معاصرة لتغطية تلك الاحتياجات، فظهرت الصورة محل الدراسة: وهي الاستفادة من وقف أسهم الشركات المساهمة في صورتها المعاصرة.

 

فمع تطور الحياة الاقتصادية، وظهور الشركات المساهمة، برزت الحاجة للبحث في فقه هذه الشركات، ومن ذلك البحث في مشروعية وقف أسهم هذه الشركات في الأعمال الخيرية.

 

أولاً: صورة المسألة:

السهم في اللغة: الحظ والنصيب، والشيء من مجموعة أشياء،[1] يقال: أسهم الرجل؛ أي اقترع، وفي التنزيل: ﴿ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ﴾؛[2] أي قارع بالسهام فكان من المغلوبين،[3] ويقال: ساهمه؛ أي قاسمه  وأخذ سهماً ونصيباً، جاء في المعجم الوسيط: "ومنه شركة المساهمة".[4]

 

والسهم في الاصطلاح التجاري يطلق على أحد معنيين: [5]

أ‌- حق المساهم أو نصيبه في شركات الأموال، فالسهم: هو الصك الذي يمثل هذا الحق، والأسهم: صكوك (وثائق) قابلة للتداول تمثل حصة شائعة في رأس مال شركة مساهمة.

ب‌- نصيب معلوم من رأس مال مشترك لمجموعة من المشتركين، وعليه فالسهم عبارة عن حصّة مشاعة من ممتلكات الشركة مع ما تمثله من قيمة في السوق.

 

ثانيًا: تخريج المسألة:

يمكن تخريج هذه المسألة على حكم وقف المشاع الذي لا يقبل القسمة.[6]

ووجه هذا التخريج: أن قوانين الشركات المساهمة لا تسمح بإفراز أي سهمٍ من مجموع سهامها، وقد اختلف أهل العلم في حكم وقف المشاع الذي لا يقبل القسمة على ثلاثة أقوال، أصحها - والله أعلم - الجواز مطلقًا؛ وهو مذهب الجمهور، من الشافعية،[7] والحنابلة،[8] وهو قول أبي يوسف من الحنفية،[9] وقول للمالكية. [10].

 

وسبب الخلاف في هذه المسألة: هل يشترط في الوقف قبض عينه وتسليمها للموقوف عليه؛ كالصدقة أو لا يشترط ؟.[11]

وقول الجمهور أولى بالصواب؛ لما أخرجه النسائي[12] عن عمر بن  الخطاب رضي الله عنه أنه ملك مائة سهم من خيبر اشتراها، فأتى رسول الله صلي الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني أصبتُ مالاً لم أصب مثله قط، وقد أردتُ أن أتقرب به إلى الله عز وجل، فقال: "احبس الأصل، وسبل الثمرة"؛ فأوقف عمر رضي الله عنه مائة سهم في خيبر، وهذه صورة وقف المشاع، وقد أقرّه الرسول صلي الله عليه وسلمعلى ذلك، فدل على جواز وقف المشاع مطلقًا،[13] ولأن مقصود الوقف حصول النفع  للموقوف عليه، واستمراره، ولا يشترط في هذا قبض المنتفعين للعـين، كما لا يشترط - بل لا يجوز- تمليكهم.

 

وعليه يصح وقف أسهم الشركات المساهمة، لكن ينبغي التنبه لما يأتي:[14]

1- أن وقف هذه الأسهم يحصل بإرادة الواقف المنفردة، أو باكتتابه في حصص من الوقفيات المخصصة للمشروع. [15]

 

2- أن تكون الأسهم الموقوفة معيّنة غير مبهمة، ولا موصوفة بالذمّة. [16]

 

3- أن يكون عمل الشركة المراد وقف أسهمها مباحًا، وأن تكون الأسهم الموقوفة من الأسهم المباحة؛ كالأسهم العادية،[17] وقد طرح بعض أهل  العلم المعاصرين فكرة التبرع بوقف بعض أسهم الشركات المختلطة بما يساوي قدر التخلص الواجب على المساهم في كل دورة. [18]

 

4- تعتبر المؤسسة الخيرية هي المتولية للوقف، وعليها إدارة شؤون الوقف بما يحقق المصالح التي ارتبطت به. [19]

 

5- لا يؤثر كون الشركة مشتملة على عقار ومنقول ونقود في صحة وقفها؛ لصحة وقف المنقولات والنقد. [20]

 

6- عدم جواز المتاجرة ببيع الأسهم الموقوفة في الشركات المساهمة؛ لأن الوقف لا يجوز بيعه، ولا التصرف فيه تصرفًا ناقلاً للملكية، وإنما يستفاد من ريعه فقط.

 

تنبـيه: الخلاف في وقف المشاع لا ينسحب على حكم الوقف الجماعي،  ذلك لأن الأخير موقوفٌ كله؛ فلا يضر شيوع أسهم كل شريك؛ لأن حكم الكل واحد، قال في شرح فتح القدير[21]: "ولو كانت الأرض بين رجلين فوقفاها على بعض الوجوه، ودفعاها إلى والٍ، يقوم عليها كان ذلك جائزًا عند محمد؛ لأن المانع من تمام الصدقة شيوع في المحل المتصدق به، ولا شيوع هنا؛ لأن الكل صدقة، غاية الأمر أن ذلك مع كثرة المتصدقين، والقبض من الوالي في الكل وجد جملةً واحدةً، فهو كما لو تصدق بها رجلٌ واحدٌ سواء".



[*] مختص في فقه منتجات العمل الخيري.

[1] ينظر: القاموس المحيط، للفيروزآبادي، ص(1017).

[2] [الصافات: ١٤١].

[3] ينظر: الدر المصـون، للحـلبي، (9/ 330).

[4] إبراهيم مصطفى وآخرون، (1/ 459).

[5] ينظر: الشركات التجارية في القانون التجاري اليمني، لمحمد الحاج، ص(13- 144)، وموسوعة الشركات التجارية- شركات الأشخاص والأموال والاستثمار، لعبد الحميد الشواربي، ص(575)، والمعايير الشرعية 1428هـ-2007م، لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، ص(368).

[6] ينظر: الفتاوى الهندية، لنظام الدين، (2/ 366).

[7] ينظر: البيان، للعمراني، (8/ 63)، وروضة الطالبين، للنووي، (5/ 314)، وأسنى المطالب، لزكريا الأنصاري، (5/ 5166).

[8] ينظر: المغني، لابن قدامة، (6/ 266)، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي، (2/ 618)، والإنصاف، للمرداوي، (7/ 88).

[9] ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني، (6/ 220)، والبناية، للعيني، (6/ 900)، وملتقى الأبحر، للحلبي، (1/ 400)، واللباب، للميداني، (2/ 1811)، والفتاوى الهندية، لنظام الدين، (2/ 365)، وأحكام الأوقاف، للخصاف، ص(232)، والإسعاف في أحكام الأوقاف، للطرابلسي، ص(25).

[10] ينظر: الإشراف، لعبد الوهاب، (2/ 672)، والمعونة، (2/ 485)، والكافي، لابن عبد البر، (2/ 1017)، والذخيرة، للقرافي، (6/ 3144)، ومواهب الجليل، للحطاب، (7/ 626)، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، (5/ 455).

[11] ينظر: الإسعاف في أحكام الأوقاف، للطرابلسي، ص(15).

[12] أخرجه في كتاب (29) الأحباس، باب (3) حبس المشاع، ص(383)، برقم36044 عن عمر رضي الله عنه.

[13] ينظر: المعونة، لعبد الوهاب، (2/ 485)، والبيان، للعمراني، (8/ 63)، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي، (2/ 6188).

[14] ينظر: الموارد المالية لمؤسسات العمل الخيري المعاصر، دراسة فقهية تأصيلية، د. طالب الكثيري، (434-4355).

[15] ينظر: رؤية اجتهادية في المسائل الفقهية المعاصرة للوقف، لوهبة الزحيلي، ص(333).

[16] ينظر: رد المحتار، لابن عابدين، (6/ 552)، وروضة الطالبين، للنووي، (5/ 314)، والإنصاف، للمرداوي، (7/ 99)، وإحياء نظام الوقف في العالم الإسلامي المعاصر، للزحيلي، ص(181).

[17] ينظر: مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، (2/ 284).

[18] ينظر: اللقاء السنوي الثامن للجهات الخيرية، بعنوان الاستثمار  والجهـات الخـيرية، نـدوة فرص استثـمارية، لعبد الرحمن الأطرم، الذي نظمته جمعية البر بالمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، 1429هـ، لقاء مسجل في موقع البث الإسلامي.

[19] ينظر: فتاوى شرعية، لأبي فارس، (1/ 256-257).

[20] ينظر: أموال الوقف ومصرفه، للعثمان، ص(280).

[21] ابن الهمام، (6/ 197- 198).

 

حقوق النشر محفوظة لدى موقع الشيخ طالب بن عمر الكثيري (©)