المقالات والمطويات » المقالات » فقة منتجات العمل الخيري » الوقف الجماعي خصائص تمويلية ونظرة شرعية

الوقف الجماعي خصائص تمويلية ونظرة شرعية

الوقف الجماعي خصائص تمويلية ونظرة شرعية

عرف التاريخ الإسلامي تجارب وقفية ناجحة حققت للمجتمع المسلم مستوى الاكتفاء في نشر سلطان العلم بين الناس، ومستوى الكفاية في رعاية الحوائج الأصلية.

 

وقد اتفق أهل العلم على مشروعية الوقف عمومًا،[1] ثم اتجهت أنظار  الفقهاء بعد ذلك لتدور حول ثلاثة محاور رئيسة؛ وهي التحفظ لحدود الشارع، ورعاية شروط الواقف، والاحتياط لمصالح المنـتفعين.

 

وحول هذه المحاور، ومع سعة وديمومة مصارف الوقف، حرصت العديد من المؤسسات الخيرية على الاستفادة من ريع الوقف الخيري، بل وتبنى المنظِّرون لهذه المؤسسات ضرورة الاعتماد على هذا المورد، وجعلوه من أبجديات العمل الخيري الناجح.

 

الوقف الجماعي وسنده الشرعي:

ومن الأفكار التي أفرزها الواقع الميداني للعمل الخيري: فتح باب المساهمة في الوقف الجماعي،[2] وهو من أنجح الوسائل لتوفير مبالغ  كبيرة لا يجود بها متبرع واحد، مع ما فيه من التحرر من قيود الواقفين، وإخفاء صدقات المحسنين، وفي هذا المعنى يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من بنى مسجدًا لله كمفحص قطاة[3] أو أصغر بنى الله له بيتًا في الجنة"،[4] والشاهد في قوله صلى الله عليه وسلم: "كمفحص  قطاة"، والمراد أنه لو أسهم في بناء المسجد بهذا القدر من التبرع لكان له هذا الأجر العظيم.

 

التخريج الفقهي للوقف الجماعي:

والسند الفقهي للوقف الجماعي: هو مسألة تعدد الواقفين والغرض واحد، أو اتحاد الوقف وتعدد الأغراض،[5] قال السرخسي -رحمه الله-: " وإذا  كانت الأرض بين رجلين، فتصدقا بها صدقة موقوفة على بعض الوجوه التي وصفناها، ودفعاها إلى ولي يقوم بها كان ذلك جائزًا؛ لأن مثله في الصدقة المنفذة جائز إذا تصدق رجلان على واحد، والمعنى فيه أن المانع من تمام الصدقة شيوع في المحل، ولا شيوع هنا، فقد صار الكل صدقة مع كثرة المتصدقين بها".[6]

 

صورة جديدة للوقف الجماعي:

وقد اتجهت كثير من المؤسسات الخيرية إلى استحداث مشاريع وقفية تحتاج لرؤوس أموال طائلة، لكنها تدر ريعًا يساهم بشكل كبير في تغطية الأعمال الخيرية، وحتى يجتمع رأس المال اللازم لتنفيذ هذه المشاريع، تمّ تقسيمه إلى حصص متساوية تسوّق على مجموعات كبيرة من المتبرعين، تصل من خلالها المؤسسات الخيرية إلى القدرة على وقف عدد كبير من المشاريع.

 

خصائص تمويل المؤسسات الخيرية عن طريق الأسهم الوقفية:[7]

وفي تفعيل هذه الوسيلة نتائج كبيرة من شأنها أن تدعم العمل الخيري، فمن ذلك:

1- إحياء سنة الوقف، وإعادة دوره التاريخي في دعم وجوه البر والإحسان.

 

2- نقل القدرة على الوقف إلى عموم المسلمين، فيتيسر لكل مسلم أن يوقف سهمًا أو عددًا من الأسهم في مشاريع كبيرة وكثيرة؛ يُكتب له أجرها عند الله.

 

3- الاستفادة من خبرات كثيرة، نظرًا لاشتراك مجموعة كبيرة من الأفراد في الوقف الجماعي.

 

4- تيسير طرح الأسهم الوقفية على الجمهور، وتنوعها إلى فئات مناسبة لظروف المتبرعين، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في الحصول على مصادر مالية لتغطية الاحتياجات، أو لتمويل الاستثمارات، أو زيادة الأصول الوقفية مستقبلاً.

 

5- تسهيل القدرة على شراء السهم من خلال دفع قيمته دفعة واحدة، أو عن طريق الاستقطاع الشهري، مما يوسع دائرة المتبرعين.

 

6- التخلص من شروط بعض الواقفين القسرية، والتي تمنع من الإفادة من الوقف بالصورة المثلى، أو تمنع من صرفه فيما هو أعظم حاجة وأكبر منفعة، بل قد تلجأ بعض المؤسسات الخيرية إلى أن تجعل مصارف الأوقاف السهمية مطلقة تحددها الاحتياجات؛ وفقًا لما يستجد من حاجة المجتمع، أو تجعلها مقسمة على عدة مشاريع.

 

7- فتح المجال لاستثمار الأوقاف من خلال صناديق الاستثمار الوقفية، والتي تجمع أموالاً كثيرة، تستثمر في مجالات ربحية متعددة.



[*] مختص في فقه منتجات العمل الخيري.

[1] ينظر: شرح صحيح مسلم، للنووي (11/ 89)، الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (6/ 2199).

[2] وممن رأى جواز ذلك: الشيخ عبد العزيز بن باز، وبموافقة بقية أعضـاء  اللجـنة الدائمة ماعدا الشيخ عبد الله بن غديان، نقل ذلك مشافهة أحمد السهلي في الجوانب الشرعية في تنمية الموارد (البشرية/ المالية) في الجهات الخيرية، ص(23)، ورقة مقدمة للملتقى السنوي السابع للجهات الخيرية بالمنطقة الشرقية.

[3] هو موضع الحمامة الذي تخيم فيه وتبيض؛ لأنها تفحص فيه التراب، ينظر: غريب الحديث، لأبي عبيد، (2/ 567).

[4] أخرجه ابن ماجه في كتاب (4) المساجد والجماعات، باب (1) من بنى لله مسجدًا، ص(90)، برقم7388، عن جابر رضي الله عنه، وصححه الوادعي في الصحيح المسند، (1/ 166)، برقم234.

[5] ينظر: النهوض بالوقف في العصر الحاضر، لمحمد عبد الحليم عمر، ص(9).

[6] المبسوط، (12/ 38)، مع العلم أن الجمهور يجيزون وقف المشاع مطلقًا؛ خلافًا لمحمد بن الحسن، ينظر: بدائع الصنائع، (6/ 220)، مواهب الجليل، (7/ 626)، روضة الطالبين، (5/ 314)، المغني، (6/ 266).

[7] ينظر: الموارد المالية لمؤسسات العمل الخيري المعاصر، دراسة فقهية تأصيلية، د. طالب الكثيري، ص(392-393).

حقوق النشر محفوظة لدى موقع الشيخ طالب بن عمر الكثيري (©)