احكام الصدقة الالكترونية
احكام الصدقة الالكترونية
أولاً: صورة المسألة:
مفهوم الصدقة الالكترونية يعني: التبرع من خلال تقنية الخدمات المصرفية الالكترونية لصالح الحسابات الخيرية، وقد تسمى بالصدقة الخفية أو صدقة السر؛ لما تتميز به هذه الوسيلة الحديثة من تحويل الصدقات من حسابات المتبرعين دون الكشف عن هويتهم.[2]
ثانيًا: واقع هذه الصورة:[3]
من الوسائل الحديثة المستخدمة في الصدقة الالكترونية:
1- جهاز نقاط البيع: وهو جهاز يُثبت في مقر المؤسسة الخيرية، أو في مواقع المحال التجارية المزدحمة، وتتم برمجته وربطه مباشرة بحساب المؤسسة الخيرية في المصرف الذي يمتلك الجهاز، بحيث يستطيع المستخدم التبرع من حسابه بواسطة أي بطاقة مصرفية محلية، أو بطاقة ائتمان عالمية.
2- جهاز الصراف الآلي: حيث يستطيع المتبرع من خلال خدمة (تحويل) من تحويل صدقته إلى حساب المؤسسة الخيرية.
3- الهاتف المصرفي: وهي خدمة تقدمها بعض المصارف لعملائها عبر الهاتف الثابت، وتمكنهم من خلال الرقم المجاني من إجراء التحويلات المختلفة، ومنها التحويل للحساب الخيري.
4- خدمة الواب: وهي ذات الخدمة السابقة، لكن باستخدام الهاتف المحمول (الجوال).
5- رسائل الجوال: وتمتاز هذه الوسيلة باليسر؛ حيث لا تشترط وجود حساب مصرفي للمتبرع، بل يكفي وجود رصيد مالي في هاتفه المحمول، وعبر إرسال رسالة فارغة لرقم الجهة الخيرية، يتم خصم مبلغ متفق عليه من رصيد المتبرع إلى الجهة المعينة.
6- الانترنت المصرفي: وهي خدمة متاحة عبر مواقع المصارف الالكترونية على شبكة الانترنت، ومن خلالها يتم تحويل المبالغ لحساب الجهات الخيرية بواسطة استخدام بطاقات الائتمان. [4]
وواقع صور التحويل عبر هذه الوسائل على حالين:
أ- تحويل مبلغ لمرة واحدة.
ب- تحويل مبلغ معين بصورة دورية عبر الاستقطاع الشهري أو نصف السنوي أو السنوي، ويسمى (الأمر المستديم).
أما إجراءات استخدام هذه التقنيات، فتحتاج لما يلي:
1- يشترط أن يكون المتبرع قد اشترك في هذه الخدمات، وحصل على رقم عميل، ورقم سري قبل أن يتاح له إجراء أي عمليةٍ مصرفية .
2- معرفة الطريقة الخاصة لكتابة حساب العميل؛ إذ لكل مصرف طريقته الخاصة.
3- تعبئة نماذج التحويل، وذلك من خلال إدخال:
♦ رقم حساب المتبرع.
♦ رقم حساب الجهة المتبرع إليها.
♦ نوع التبرع: زكاة، وقف، صدقة عامة، أو خاصة...
♦ المبلغ المتبرع به.
♦ تاريخ بداية الاستقطاع ونهايته في حالة طلب الاستقطاع الدوري.
4- قد يخصم مبلغ من التبرع كعمولة لصالح المصرف أو شبكة الاتصالات، أو ما يسمى بعمولة الدفع الالكتروني (كي نت) في حالة التبرع عن طريق شبكة الانترنت.
ثالثًا: أهمية هذه الصدقة ومميزاتها:
مما تمتاز به هذه الوسائل:
1- سهولة الاستخدام من خلال اعتماد أيقونات (رموز وأشكال) معينة توفر كتابة أوامر متكررة.
2- توفير الوقت والموارد المالية والبشرية في عملية جمع التبرعات، حيث تبدأ الصدقة التقليدية عادةً من المتبرع، ثم موظف استقبال التبرعات بالجهة الخيرية، ثم المسؤول المالي، ثم موظف المصرف، حتى تدخل في حساب المؤسسة الخيرية، أما طريقة الصدقة الالكترونية فتبدأ من المتبرع، ومن خلال الوسائل المصرفية الحديثة إلى حساب الجـهة الخيرية مباشرة.
3- مواكبة التقنيات الحديثة في مجال التقنية الرقمية، مما يمُكّن المؤسسات الخيرية من الاستفادة من قواعد البيانات لدى المصارف؛ لاستصدار مطابقة آلية للحسابات، تتصف بالدقة والسرعة، وهذا من شأنه كذلك أن يتجه بهذه المؤسسات إلى الانخراط في الحكومة الرقمية التي تسعى إليها العديد من الدول.
4- تيسير عملية التبرعات، واستقطاب مجموعات جديدة من المتبرعين، وزيادة الموارد المالية للمؤسسات الخيرية.
5- التقليل من مخاطر الاحتفاظ بالنقود في مقرات المؤسسات الخيرية، ومخاطر نقلها إلى المصارف.
6- ضمان تحقيق المتطلبات الأمنية الجديدة، وإيجاد الثقة في نفوس المتبرعين والحكومات في أن هذه التبرعات لن تتجه إلى غير الجهة التي تبرع لها.
7- توفير المؤسسات الخيرية للأموال التي قد تقتطع عند لجوئها لطريقة المندوبين الجوالين.
8- فتح المجال للتبرع على مدار الأربع والعشرين ساعة، ليلاً أو نهارًا، ومن أي مكان يوجد فيه المتبرع.
9- تعميق تواصل المجتمع مع الصدقة؛ إذ لا يخجل المتبرع من التصدق بأي مبلغ، ولو كان زهيدًا، ورب درهمٍ سبق مائة ألف درهم، بل وتمكن المتبرع من التصدق، وإن لم يتوفر مبلغ نقدي في جيبه.
10- إحياء صدقة السر، والرقي بالمتبرعين إلى تجنب الرياء والسمعة المحبطة للصدقات، وبهذا تتبارك الصدقات، وتتضاعف الأجور، يقول الله عز وجل: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون)،[5] وفي الصحيحين[6] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم: ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".
رابعًا: التخريج الفقهي لصور الصدقة الالكترونية:
جميع الصور السابقة تخول المصرف أو شبكة الاتصالات بتحويل رصيد من حساب العميل المصرفي أو الهاتفي إلى حساب المؤسسة الخيرية؛ لذا فهي تعد وكالة بأجر أو بلا أجر.
وأجهزة الاتصال الحديثة، منها ما ينقل الصوت؛ كالهاتف، ومنها ما ينقل المكتوب؛ كالتلكس،[7] ومنها ما يستنسخ الأصل ويرسل الصورة كالفاكس،[8] والصور السابقة جميعها تعتمد على نقل الحروف والأرقام، فهي وكالة عن طريق الكتابة. [9]
وقد تُخرَّج صورة إرسال رسالة فارغة إلى رقم محدد للتبرع بمبلغ معين على أنها عقد شراء بشرط، ووجه هذا التخريج: أن المرسل يشتري خدمة إرسال رسالة بقيمة مائة ريال مثلاً، بشرط تبرع بائع الخدمة بتسعين ريال لصالح الجهة الخيرية.
ويعترض على هذا التخريج أن المتبرع لا يفكر في شراء الرسالة الفارغة؛ حيث لا نفع فيها مقصود لذاته، وإنما هو يعقد عقد وكالة من خلال إرسال الرسالة للرقم المحدد للتبرع بالمبلغ بعد خصم أجرة هذه الرسالة.
وعلى التخريج الأول وهو الصحيح، ترد مسألة: هل يجوز عقد الوكالة بالكتابة؟ وقد اختلف فيها الفقهاء، والجمهور؛ من الحنفية،[10]والمالكية،[11] والشافعية،[12] والحنابلة،[13] على صحة التعاقد بذلك، وهو الصحيح؛ لأن الكتابة وسيلة من وسائل التعبير عن الإرادة، فالقلم أحد اللسانين، والكتاب كالخطاب؛ [14] خصوصًا في باب الوكالات؛ إذ يحتمل في هذا الباب - من الجهالة وغيرها - ما لا يحتمل لغيره،[15] ولأن الأساس الذي تنشأ به العقود هو توجه الإرادة الباطنة للمتعاقدين إلى التراضي في إنشاء العقد، وتدل على هذه الإرادة القرائنُ اللفظية الصريحة أو الكنائية أو القرائن الفعلية بحسب العرف، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم)،[16]وقد أخذ بهذا مجمع الفقه الإسلامي.[17]
خامسًا: حكم الصدقة الإلكترونية:
تبين مما سبق صحة هذا التعاقد، ومشروعية استخدام هذه الأجهزة لجمع التبرعات، مع ملاحظة الآتي:
1- ألا تشتري المؤسسة الخيرية من الأجهزة إلا ما تحتاج إليه فعلاً.
2- ألا تستخدم هذه الأجهزة في غير ما جُعلت له؛ فلا يحل لموظفي المؤسسة الخيرية أن يرتفقوا بها في غير جمع التبرعات.
3- وينبغي أن ينبه المزكي أو المتصدق أن تبرعه عبر بطاقات الائتمان يخصم منه مبلغ من قبل البنك لقاء عملية التحويل، وهذا المبلغ يبقى في ذمة المتبرع، إن كان تبرعه واجبًا.
ومن الصور التي برزت في الواقع خدمة الرقم (700)؛ حيث يخصص هذا الرقم للعمل الخيري، ويضاف له رقم يخـتاره المتصل للتعريف بإحدى المؤسسات الخيرية، وتقدر دقيقة الاتصال بهذا الرقم بمبلغ معين، ثم يصرف 35% منه لشركة الهاتف، و20% للشركة التي قدمت الخدمة، و45% للمؤسسة الخيرية، وقد أفتت الهيئة الشرعية بالندوة العالمية للشباب الإسلامي،[18] بجواز هذه الخدمة الخيرية؛ لكون هذه الجهات الثلاث قد اشتركت في بيع الخدمة على الراغب في المعلومات، بشرط ألا يستخدم هذا الرقم في المسابقات.
4- وهل الضغط على أيقونة القبول يعتبر كتابة؟.
الجواب: نعم؛ لأن الضغط على زر القبول يعد عرفًا ككتابة كلمة موافق أو التوقيع بالموافقة، وهنا يجدر التنبيه إلى أن مثل هذه الأجهزة ينبغي أن تبرمج على أن تصدر رسالة تذكيرية لتأكيد القبول، أو تشترط تعبئة طلب بمعلومات تفصيلية، أو تطلب التوقيع الالكتروني للمتبرع؛[19] بغية التأكد من تمام رضاه، إذ قد يحصل الضغط على زر الموافقة من غير قصد، أو عن طريق شخص آخر خطأً. [20]
وبالإضافة لهذا التنبيه، يجب أن تراعى كذلك شروط الاحتجاج بالكتابة الإلكترونية، ومن أبرزها: [21]
1- أن يتاح فنيًا القدرة على تحديد مصدر إنشاء الكتابة الإلكترونية.
2- وأن يتاح كذلك القدرة على تحديد تاريخ إنشاء هذه الكتابة.
3- وإمكانية الكشف عن أي تبديل أو تعديل طرأ على بياناتها.
[1] مختص في فقه منتجات العمل الخيري.
[2] ينظر: ورقة عمل بعنوان: الصدقة الالكترونية، وتنمية الموارد المالية، لحماد عبيد بن أحمد، وآخرون، ص(33)، منشورة في موقع الصدقة الالكترونية، ومجموعة حوارات حول مشروع الصدقة الالكترونية، من برنامج من هنا وهناك، قناة اقرأ، (مادة مرئية)، ومقال الصدقة الالكترونية، لبدرية العسكر، منشور في الموقع العالمي للاقتصاد الإسلامي، بتاريخ6/ 2/ 1429هـ.
[3] ينظر: الموارد المالية لمؤسسات العمل الخيري المعاصر، دراسة فقهية تأصيلية، د. طالب الكثيري، ص(477-4877).
[4] ينظر: مشروع الصدقة الإلكترونية تسخير الخدمات المصرفية في خدمة المجال الخيري واستخدام التقنية في جمع التبرعات، لأنس محمد، وورقة عمل بعنوان: الصدقة الالكترونية، وتنمية الموارد المالية، لحماد عبيد وآخرون، ص(4-5).
[5] [البقرة: ٢٧٤].
[6] أخرجه البخاري في كتاب (24) الزكاة، باب (16) الصدقة باليمين، ص(282)، برقم1423، ومسلم في كتاب (12) الزكاة، باب (300) فضل إخفاء الصدقة، ص(397)، برقم1031، بلفظ: "ورجل تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله".
[7] هو جهاز يتم من خلاله تشفير الرسائل، ثم نقل هذه الشفرات على صورة نبضات كهربائية بواسطة المبرقة، وإرسالها عبر أسلاك البرق، وقد أصبحت معظم الأجهزة الحالية تعتمد على الأقمار الصناعية وهوائيات البث في نقل هذه الشفرات، ينظر: الموسوعة العربية العالمية، (4/ 325-326).
[8] هو جهاز يتم من خلاله نقل النصوص المكتوبة والصور عن طريق تصوير الوثيقة، ثم تحويلها إلى إشارات كهربائية تنقل عبر خط الهاتف إلى جهاز المتلقي، ثم تحويل تلك الإشارات إلى صورة من الوثيقة الأصلية تطبع نسخة منها على الجهاز، ينظر: الموسوعة العربية العالمية، (17/ 193).
[9] ينظر: حكم التعاقد عبر أجهزة الاتصال الحديثة في الشريعة الإسلامية، لعبد الرزاق الهيتي، ص(511)، وحكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة، لعلي القره داغي، ص(943).
[10] ينظر: الأشباه والنظائر، لابن نجيم، ص(339)، ودرر الحكام، لحيدر، (1/ 1411).
[11] ينظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، (4/ 4)، وبلغة السالك، للصاوي، (3/ 5055).
[12] ينظر: البيان، للعمراني، (6/ 406)، وأسنى المطالب، لزكريا الأنصاري، (5/ 38)، وتكملة المجموع، للسبكي، (13/ 469-4700)، والأشباه والنظائر، للسيوطي، ص(353).
[13] ينظر: الإنصاف، للمرداوي، (5/ 354)، ومطالب أولي النهى، للرحيباني، (4/ 4311).
[14] ينظر: الأشباه والنظائر، لابن نجيم، ص(339)، ومجلة الأحكام العدلية، المادة 69، ص(66).
[15] ينظر: تكملة المجموع، للسبكي، (13/ 470).
[16] [ النساء: ٢٩] .
[17] ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، قرار رقم (54/ 3/ 6) بشأن حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة، العدد السادس، الجزء الثاني، ص(1267)، وقرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي بالهند، الندوة 13، ص(243).
[18] ينظر: فتاوى الهيئة، محضر الاجتماع العاشر، بتاريخ 12/ 1/ 1424هـ، ص(366).
[19] التوقيع الالكتروني: ما يوضع على محرر الكتروني، ويتخذ شكل حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات أو نحوها، ويكون له طابع منفرد يسمح بتحديد شخص المُوقع، ويميزه عن غيره، ينظر: للتوقيع الالكتروني، وضوابط الاحتجاج به: التعاقد عبر الانترنت دراسة فقهية مقارنة، لحسن بودلي، ص(74-89)، وحجية البريد الالكتروني في الإثبات، دراسة مقارنة، لخالد ممدوح، ص(213-221).
[20] ينظر: التجارة الالكترونية وأحكامها في الفقه الإسلامي، لعلي أبو العز، ص(164-165)، والتجارة عبر الانترنت، لعبد الفتاح حجازي، ص(1300-131).
[21] ينظر: الشرح والتعليق على أحكام قانون التوقيع الإلكتروني رقم (15)، لسنة 2004م، لأحمد موافي، ص(109 و1555).