المسابقات الخيرية

المسابقات الخيرية

تتجه كثير من المؤسسات الخيرية إلى إقامة مسابقات تهدف من خلالها إلى جمع إيرادات لصالح مشاريعها الخيرية، ولهذه المسابقات حالتان:

الحالة الأولى: أن تكون قيمة الجوائز مجموعة من اشتراكات المتسابقين:

أولاً: تصوير المسألة:

وصورة ذلك: أن تبيع المؤسسة الخيرية قسائم (أوراقًا)، تحمل أسئلة علمية وثقافية، يتنافس في إجابتها المشتركون، على أن يحصل الفائزون منهم على جوائز معينة، ويقسم المبلغ المجموع إلى قسمين: قسم يُجعل في توفير جوائز المسابقة، والقسم الآخر يجعل تبرعًا للمشروع الخيري المعلن عنه.

 

ثانيًا: تخريجها الفقهي:

لهذه المسألة عدة تخريجات:

التخريج الأول: أنها مسابقة علمية على عوض من المتسابقين.

وقد عرفت المسابقة بأنها: عقد بين طرفين أو أكثر على المغالبة بينهما؛ لمعرفة الفائز منهما بعوض أو بدونه. [2]

ووجه هذا التخريج: أن كل متسابق يتنافس مع غيره للوصول إلى الإجابة الصحيحة، وفي دفع العوض من المتسابقين تشجيعٌ على طلب العلم.

 

وقد اختلف أهل العلم المعاصرون في حكم هذه المسألة على قولين:

القول الأول: الجواز. [3]

القول الثاني: التحريم. [4]

وسبب اختلافهم يرجع لاختلاف أهل العلم - رحمهم الله تعالى - في حكم بذل العوض من المتسابقين في المسائل العلمية، وأصح الأقوال فيها جواز ذلك؛ لما فيها من تقوية الدين وحفظ الشريعة؛ فأشبهت المنصوص عليه؛ كالسبق في الخيل والإبل والسهام، وهو مذهب الحنفية،[5] ووجه عند الحنابلة،[6] اختاره ابن تيمية،[7] وابن القيم.[8]

 

يدل على ذلك ما أخرجه الترمذي[9] عن نيار الأسلمي رضي الله عنه أن  قريشـًا قالت لأبي بكر الصديق رضي الله عنه لما نزلت سورة الروم: زعم صاحبكم أن الروم ستغلب فارسًا في بضع سنين؛ أفلا نراهنك على ذلك؟ قال: بلى، وذلك قبل تحريم الرهان، فارتهن أبو بكر رضي الله عنه والمشركون، وتواضعوا الرهان، وقالوا لأبي بكر رضي الله عنه: كم تجعل؟ البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين، فسمِّ بيننا وبينك وسطًا ننتهي إليه، قال: فسموا بينهم ست سنين، قال: فمضت الست سنين قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكر رضي الله عنه، فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس، فعاب المسلمون على أبي بكر رضي الله عنه تسمية ست سنين؛ لأن الله تعالى قال: ﴿ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ  [10]قال: وأسلم عند ذلك ناس كثير.

 

ووجه الدلالة: أن أبا بكر رضي الله عنه والمشركين قد جعل كلٌ منهم للآخر جُعلاً إن صدق قوله، وهذا دليلٌ على جواز السبق العلمي بعوض.

 

فتجوز المسابقات العلمية، ولو كانت بعوض من المتسابقين، بشرط أن يتبين أن فيها منفعة ظاهرة في تقوية المسلمين، وحفظ دينهم،[11] قال  ابن القيم - رحمه الله-: "فالفروسية فروسيتان: فروسية العلم والبيان، وفروسية الرمي والطعان، ولما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق في الفروسيتين، فتحوا القلوب بالحجة والبرهان، والبلاد بالسيف والسنان، وما الناس إلا هؤلاء الفريقان، ومن عداهما فإن لم يكن ردءًا وعونًا لهما فهو كَلٌ على نوع الإنسان، وقد أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بجدال الكفار والمنافقين، وجلاد أعدائه المشاقين والمحاربين، فعُلم أن الجدال والجلاد من أهم العلوم وأنفعها للعباد، في المعاش والمعاد".[12]

 

ويرد على هذا التخريج: أن هذه المسابقات الثقافية غالبًا لا تحقق معنى تقوية الإسلام ونصره، بل هي في الجملة تمتاز بالسهولة في إجابتها؛ فكثير من تلك الأسئلة يجاب عليها دون بحث،[13] بل وتقتصر الإجابة على  الكلمة والكلمتين، مما يدل بجلاء أن المقصد من وضعها ترغيب الأعداد الكثيرة في الاشتراك في المسابقة.

 

كما أن المتسـابقين يتناقـلون الإجابة فيما بينهم، ولا تحجب اللجنة المنظمة - غالبًا - الإجابات التي ظهر فيها عدم الجهد الذاتي للمتسابق، بينما تحجب الإجابات التي لم تكتب على القسائم المباعة، مما يؤكد أن المقصود زيادة ريع المسابقة.

 

وعليه، فهي لا تعتمد على الحذق والمهارة؛ كما هو الأصل في مشروعية المسابقة، بل تعتمد على الصدفة والحظ الذي تحكمه القرعة بين المتسابقين، وهي بهذا تؤدي إلى إشاعة روح القمار بين المسلمين.

 

التخريج الثاني: أنها من الميسر المحرم.

وقد عرف الماوردي الميسر بأنه: " هو الذي لا يخلو الداخل فيه من أن يكون غانمًا إن أخذ، أو غارمًا إن أعطى".[14]

ووجه هذا التخريج: أن كل متسابق دفع مالاً رجاء الحصول على الجائزة، وقد تحصل له، وقد لا تحصل، فدار حاله بين الغنم والغرم، وهذا هو ضابط الميسر المحرم.

 

ويرد على هذا التخريج: أن كثيرًا من المتسابقين قد سامحوا في طلب الغنم؛ طلبًا للثواب من الله تعالى؛ فدار حال كلٍ منهم بين الغنم الدنيوي بحصول الجائزة، أو الغنم الأخروي بحصول الأجر، فهو من الميسر الخيري.

 

ويجاب أن الفقهاء المعاصرين قد اختلفوا في حكم الميسر الخيري على قولين:

مسألة: حكم الميسر الخيري:

أولاً: أقوال أهل العلم في هذه المسألة، وأدلتهم، ومناقشتها:

القول الأول: التحريم. [15]

واستدلوا من الكتاب والمعقول:

(1) استدلوا من الكتاب: بقوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ  [16]

ووجه الدلالة: أن الذي ربح المال الكثير في المسابقة؛ لم يقدم إلا نسبة قليلة جدًا من المال والجهد، وكان ما حصل عليه من مال إنما هو جراء أكل أموال بقية المشاركين بطريق المصادفة، وهذا هو الذي نهى الله سبحانه عنه.

 

(2) واستدلوا من المعقول: أن كل المشتركين في هذه المسابقة ترددوا  بين الغنم والغرم، وهذه علامة الميسر المحرم.

ونوقش هذا الاستدلال: أن كلا طرفي المسابقة لم يتعرض لأن يكون دائرًا بين الغنم والغرم، فالطرف الأول وهم المتسابقون لم يغرموا أموالهم التي قصدوا بها التبرع للمشاريع الخيرية، بل سيخلفهم الله عنها خيرًا، والطرف الآخر وهي المؤسسة الخيرية لم تتعرض للغرم كذلك؛ حيث حصلت على أموال كثيرة لدعم المشاريع الخيرية، وجعلت الباقي جوائز للمتبرعين. [17]

 

وأجيب: أن المؤسسة الخيرية ليست إلا جهة منظمة لهذه المسابقة، وليست طرفًا فيها، والغرم داخل على جميع المتسابقين الذين لم يربحوا الجائزة، وقصدهم للتبرع لا يحل لهم ارتكاب الميسر، وإنما مثل ذلك مثل الذي يقيم حفلات الفجور أو يبيع الخمور لكي يتصدق بريعها.

 

القول الثاني: الجواز. [18]

واستدلوا من المعقول: بقاعدة للوسائل أحكام المقاصد. [19]

ونوقش هذا الاستدلال: بأن أهل العلم قد ضبطوا هذه القاعدة بالوسائل المشروعة والمباحة؛[20] إذ لا يحل ارتكاب المحرم بحجة قصد التقرب إلى  الله.

 

ثانيًا: القول المخـتار:

تحريم ما يسمى بالميسر أو اليانصيب الخيري؛[21] إذ علة تحريم الميسر  ظاهرة فيه؛ من أكل أموال الناس بالباطل، وثراء البعض دون سبب مشروع، ومخاطرة العبد بماله، وقد كانت العرب تتعامل بهذا النوع من القمار، فكانوا إذا اشتد البرد، وتعذر القوت على أهل المسكنة، تقامروا بالأزلام، وضربوا القداح[22] على الإبل، ثم جمعوا لحومها، وأطعموا الفقراء، فنهاهم الله عن ذلك،[23] قال سبحانه: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ  [24]وقال: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ  [25]

 

لكن وعلى القول بالتحريم، هل يصح إشراك مجموعة من الأشخاص في المسابقة على أن يعفوا من دفع ثمن القسائم؛ فإن فازوا كانت الجوائز لهم، وإن خسروا لم يغرموا شيئًا، وبهذا التدبير تصحح المسابقة على أساس مسألة المحلل التي ذكرها الفقهاء رحمهم الله تعالى.

 

ويجاب: أن مسألة المحلل مما اختلف فيه أهل العلم، وأصح الأقوال فيها عدم جواز بذل العوض من المتسابقين في غير ما ورد فيه النص، وما كان في معناه، ولو مع وجود المحلل؛ لأن دخول المحلل حيلة غير شرعية؛ فلا يحل السبق، كما أن المحلل في النكاح وبيع العينة لا يحلهما، ولأن أدلة اشتراط المحلل لم يثبت دليلها نقلاً، ولم يقو الاستدلال بها عقلاً، والأصل الإطلاق، وعدم الاشتراط، والله أعلم.

وبناءً عليه، فلا يغني شيئًا إدخال المحللين في مسابقات الميسر الخيري.

 

التخريج الثالث: أنه عقد جعالة.

ووجه هذا التخريج: أن كل طرف جعل جعلاً لمن يسبقه، فصورة هذه المسألة كصورة رجلين شرد بعير كلٍ منهما، فبحثا عنه، وقال كلٌ منهما لصاحبه: إن رددت بعيري فلك عشرة دراهم.

 

واعترض على هذا التخريج: أن الجعالة تفارق المسابقة؛ إذ السبق يدفعه المتسابق لمن يسبقه، بينما الجعل يجعله الجاعل لمن ينفعه. [26]

 

التخريج الرابع: أنه تبرع وتصدق لأجل العمل الخيري.

ووجه هذا التخريج: أن المشارك قصد أن يتبرع بماله لصالح الأعمال الخيرية.

ويرد على هذا التخريج: أن الغالب على قصد المتسابق إرادة الجائزة، والمغالبة للفوز بها؛ بدليل أنه لم يتبرع مباشرة للأعمال الخيرية.

 

ويمكن أن يجاب: أن المتبرع كذلك لم يقصد اليانصيب التجاري، ولو أراد المغالبة لاشترك في المسابقات التجارية؛ فهي أقل اشتراكًا، وأكبر ريعًا.

 

القول المختـار من هذه التخريجات:

الذي يظهر - والعلم عند الله - أنه ينبغي في تخريج هذه المسألة النظر إلى طريقة وضع الأسئلة؛ فإن ظهر أنها أسئلة يقصد بها إعداد المسلم القوي في دينه، والمنافح عنه؛ جاز التسابق فيها ببذل العوض، وإن ظهر - كما هو الغالب - أنها أسئلة يراد منها تكثير المتسابقين، أو مجرد الثقافة العامة دينية كانت أو دنيوية؛ فالاشتراك في مثل هذه المسابقات يحدث ترددًا في نية المشارك بين أن يربح؛ فيفوز بالجائزة عوضًا عن اشتراكه، أو يخسر؛ فينوي التبرع بماله، ومع هذا التردد بين غنم الجائزة وغرمها تقوى شبهة الميسر، وسدّ الذريعة مطلوب - ولو غلب على بعض المشاركين قصدهم للتبرع- وعليه فينبغي للمؤسسات الخيرية ترك مثل هذه المسابقات لما فيها من إفساد النوايا، والله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه، والله أعلم. [27]

 

الحالة الثانية من المسابقات الخيرية: أن تكون قيمة الجوائز مقدمة من طرف غير داخل في المسابقة:

أولاً: صورة المسألة:

أن تبيع المؤسسة الخيرية مجموعة من القسائم تحوي أسئلة علمية، يتنافس على إجابتها المشتركون، على أن يحصل الفائزون منهم على جوائز تقدم من جهات أخرى، إما تبرعًا منهم للمسابقة، أو مقابل أن يعلن عن منتجاتهم على القسائم المباعة، وعلى وسائل الإعلان الأخرى، وتجعل الأموال التي تُجمع من اشتراكات المشاركين كلها تبرعًا للمشروع الخيري.

 

ثانيًا: تخريجها الفقهي:

أ‌- العلاقة بين الجهات الداعمة والمؤسسة الخيرية:

 إن كانت الجهات الداعمة قدمت الجوائز بغير شرط، فصورة المسألة صورة التبرع.

 وإن كانت قد قدمت الجوائز مقابل العمل الدعائي، فحكم هذه المسألة تعرضنا له عند الحديث عن حكم رعاية المشاريع الخيرية،[28] وقد أفتى  مجمع الفقه الإسلامي بجواز " استفادة مقدمي الجوائز من ترويج سلعهم فقط - دون الاستفادة المالية - عن طريق المسابقات المشروعة، شريطة أن لا تكون قيمة الجوائز أو جزء منها من المتسابقين، وأن لا يكون في الترويج غشٌّ أو خداعٌ أو خيانةٌ للمستهلكين". [29]

 

ب‌- العلاقة بين المشاركين والمؤسسة الخيرية:

قد تُخرج هذه المسألة على عدة تخريجات:

التخريج الأول: أنها مسابقة على عوض من المتسابقين. [30]

ووجه هذا التخريج: أن المتسابقين لم يُسمح لهم بدخول المسابقة إلا ببذل عوض، فكلٌ منهم إما غارم محقق، أو غانم مظنون، وهذه صورة المغالبات.

 

واعترض على هذا التخريج: بأن جوائز المسابقة لم تجمع من اشتراكات المشاركين، بل ذهبت هذه الاشتراكات خارج إطار المسابقة، وقدمت الجوائز من طرف أجنبي عن المتسابقين.

 

وأجيب: أن المال كله قد دخل إلى حساب المؤسسة الخيرية، وهي التي صرفت الجوائز وأخذت الاشتراكات، فكأنها أدخلت اشتراكات المتسابقين في أحد رفوف خزانتها، وصرفت الجوائز من رفّ آخر؛ فكان ذلك حيلة. [31]

 

أو يقال: أن حقيقة المسألة أن الجوائز قدمت من المؤسسة الخيرية؛ إذ إنها تملكت ثمن الجوائز من المتبرعين مجانًا أو مقابل ما قدمته من خدمة إعلانية، ثم دخلت في معاوضة مع المشتركين؛ فدارت وهم بين الغنم والغرم.

 

ويمكن أن يجاب عن ذلك: أن المتبرعين لم يمُلِّكوا المؤسسة الخيرية المال؛ ليكون تصرفها فيه تصرفًا مطلقًا، بل دفعوا إليها المال، واشترطوا عليها أن تسلمه للفائزين في صورة جوائز تقدم باسمهم.

 

التخريج الثاني: أنها مسابقة على عوض من غير المتسابقين.

ووجه هذا التخريج: أن ثمن القسائم الذي دفعه المشتركون لم يكن مقابل جوائز المسابقة، بل جمعت قيمة تلك الجوائز من متبرعين غير مشاركين في المسابقة.

 

واعترض على هذا التخريج: أن المتسابقين لم يسمح لهم بدخول المسابقة إلا بدفع عوض، ولم يدفعوا العوض إلا بقصد الفوز بالجائزة غالبًا.

 

التخريج الثالث: أنها عقد جعالة (وعد بجائزة).

ووجه هذا التخريج: أن المتبرعين بالجوائز جعلوا جعلاً لمن يسبق، فيستحقه الغالب دون غيره، قال ابن تيمية - رجمه الله -: " لو بذل العوض أحد المتلاعبين، أو أجنبي لكان من صور الجعالة". [32]

ونوقش بما سبق؛ إذ المسابقة نوع من أنوع الجعالة. [33]

 

التخريج الرابع: أنها عقد إجارة.

ووجه هذا التخريج: أن اشتراكات المتسابقين دفعت على أنها أجرة للمؤسسة الخيرية مقابل قيامها بتنسيق المسابقة، والإشراف عليها، وهو عمل إن لم يتبرع به باذله تعين له أجره.

 

ويناقش هذا التخريج بأمرين:

الأول: أن الاشتراكات المجموعة أكبر بكثير من أن تقدر على أنها أجرة عمل إشرافي.

والثاني: أن المتسابقين لا يدفعون هذه الاشتراكات بنية دفع الأجرة، بل إما بنية التبرع للمشروع الخيري على أن لهم في ذلك ثوابًا، أو بنية الفوز بالجائزة.

 

التخريج الخامس: أنها هبة بذلت للمشتركين على وجه التشجيع.

ووجه هذا التخريج: أن المتبرعين بالجوائز أرادوا تشجيع المشتركين على بذل أموالهم في المشاريع الخيرية؛ فهو كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه". [34]

 

واعترض على هذا التخريج: أن المقصود من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه" تكثير فعل المشروط لا المغالبة فيه، بدليل أن كل من أتى بالشرط حصل على المشروط، بخلاف الحال في صورة المسألة؛ حيث لا يفوز إلا من سبق الآخرين. [35]

 

القول المختـار من هذه التخريجات:

أنها مسابقة بعوض من المتسابقين بدليل ما يلي:

أ‌- أن المتسابقين اُشترط لدخولهم المسابقة دفع العوض؛ فكان مؤثرًا تأثيرًا ظاهرًا في أخذ السبق.

ب‌- أن غالب المشتركين اندفعوا لدفع ثمن القسائم لأجل المسابقة، وبريق جوائزها.

 

ثالثًا: القول المختـار في حكم المسألة:

على اختيار أن صورة المسألة صورة المسابقة العلمية بعوض، صار الاختيار في هذه المسألة هو التفصيل، الذي سبق اختياره في المسألة السابقة، والله أعلى وأعلم.



[1] مختص في فقه منتجات العمل الخيري.

[2] ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني، (6/ 206)، وكشاف القناع، للبهوتي، (4/ 477)، وقرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، ضمن مجلة المجمع، العدد 14، الجزء الأول، ص(301)، وأحكـام المسـابقات في الشريعة الإسلامية، وتطبيقاته المعاصرة، لعبد الصمد بلحاجي، ص(28).

[3] ينظر: فتوى الهيئة الشرعية بالندوة العالمية للشباب الإسلامي، ص(44)، محضر الاجتماع الثالث عشر بتاريخ 4/ 4/ 14255هـ.

[4] وهو رأي د. عبد الكريم زيدان عن استفتاء هاتفي، وينظر: المسابقات والجوائز وحكمها في الشريعة الإسلامية، لزكريا محمد طحان، ص(1733)، وقد عزاه لجمع من أهل العلم.

[5] ينظر: البحر الرائق، لابن نجيم، (8/ 555)، ورد المحتار، لابن عابدين، (9/ 578)، والفتاوى الهندية، لنظام الدين، (5/ 3244).

[6] ينظر: الفروع، لابن مفلح، (4/ 347)، والإنصاف، للمرداوي، (6/ 91)، وحاشية على الروض المربع، لابن قاسم، (5/ 3500)، وهو اختيار اللجنة الدائمة بالمملكة، (15/ 179).

[7] ينظر: فتاويه، (32/ 227)، والاختيارات، له، ص(233)، والمبدع، لابن مفلح، (4/ 4577).

[8] ينظر: الفـروسية المحـمدية، لابن القـيم، ص(119).

[9] في كتاب (43) تفسير القرآن، باب (30) ومن سورة الروم، ص(508)، برقم 31944، وقال: صحيح حسن غريب.

[10] ]الروم: 4[.

[11] ينظر للاستزادة في بعض الضوابط: أحكام المسابقات المعاصرة في ضوء الفقه الإسلامي، لمحمد عثمان شبير، ص(1377)، والمسابقـات المعاصـرة في ضوء الفقه الإسلامي، لمحمد سلطان العلماء، ومحمود أبو ليل، ص(83-85)، ضمن أبحاث مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، العدد 14، الجزء الأول.

[12] الفروسية، ص(84).

[13] ينظر: أحكام المسابقات التلفزيونية ومقاصدها، مقال منشور في مجلة الشريعة والقانون، لعمر صالح عمر، ص(243-244)، العدد255.

[14] الحاوي، (15/ 192).

[15] ينظر: فتاوى اللجنة الدائمة بالمملكة، (15/ 203)، برقم2218، والفتاوى الإسلامية من دار الإفتاء المصرية، (2/ 6477)، وفتاوى علماء البلد الحرام، لابن باز، ص(1044-1045)، وفتاوى عبد الحليم محمود، (2/ 232)، وفتاوى الزرقا، ص(569-571)، والحلال والحرام في الإسلام، ليوسف القرضاوي، ص(297-298)، وفتاويه، (3/ 386).

[16] ] النساء: ٢٩ [.

[17] ينظر: الحياة الاجتماعية في التفكير الإسلامي، لأحمد شلبي، ص(3877).

[18] ينظر: المصدر السابق، ص(386)، والإسلام والحياة، لمحمد يوسف موسى، ص(189-1900)، وبطاقات المسابقات، لنور الدين شريعتمدار الجزائري، وآية الله محمد علي التسخيري، ص(241)، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي، العدد 14، الجزء الأول.

[19] ينظر: قواعد الأحكام، للعز بن عبد السلام، (1/ 43).

[20] ينظر: شرح المجلة، لرستم، (1/ 18)، وقارن بشرح القواعد الفقهية، للزرقا، ص(533).

[21] ينظر تعريفه: الموسوعة العربية العالمية، (27/ 291-292).

[22] الأزلام هي القداح التي لا ريش لها، وكان يكتب على أحدها افعل،  وعلى الآخر لا تفعل، فإن أرادوا سفرًا أو غزوًا أو نحو ذلك ضربوها فما خرج عمل به، وقيل: كانت سهامًا أو بيضًا أو حجارةً يكتب عليها، ينظر: جامع البيان، للطبري، (4/ 101-102)، ولسان العرب، لابن منظور، (12/ 269).

[23] ينظر: الميسر والقداح، لابن قتيبة، ص(43-45).

[24] ] المائدة: 90 [.

[25] ] المائدة: ٣ [.

[26] ينظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، (5/ 435)، والفروسية، لابن القيم، ص(2888).

[27] ينظر: الإشكاليات الفقهية العشر أمام منتجات العمل الخيري والعمل المصرفي، د. طالب الكثيري، ص(33-388).

[28] ينظر: الموارد المالية لمؤسسات العمل الخيري المعاصر، دراسة فقهية تأصيلية، د. طالب الكثيري، (634-6466).

[29] قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، في دورته الرابعة عشرة، برقم 127 (1/ 14)، فقرة 66، بشأن بطاقات المسابقات، ضمن مجلة المجمع، العدد 14، الجزء الأول، ص(302).

[30] ينظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، (15/ 183-187)، برقم 17615، و19546، و199655، وفتاوى قطاع الإفتاء بالكويت، (7/ 156-157)، وقارن بـ(7/ 154)، و(11/ 188).

[31] ينظر: المسابقات والجوائز، لطحان، ص(172).

[32] مجموع الفتاوى، (32/ 223).

[33] ينظر: الوجيز، للغزالي، (2/ 220)، وروضة الطالبين، للنووي، (10/ 361)، ودليل الطالب، للكرمي، ص(2977)، وحاشية الروض المربع، لابن قاسم، (5/ 354).

[34] أخرجه البخاري في كتاب (57) فرض الخمس، باب (18) من لم  يخمس الأسلاب، ومن قتل قتيلاً فله سلبه من غير أن يخمس، وحكم الإمام فيه، ص(640)، برقم3142، ومسلم في كتاب (32) الجهاد والسير، باب (13) استحقاق القاتل سلب القتيل، ص(726)، برقم1751، عن أبي قتادة رضي الله عنه.

[35] ينظر: الحوافز التجارية التسويقية وأحكامها في الفقه الإسلامي، لخالد المصلح، ص(1500).



حقوق النشر محفوظة لدى موقع الشيخ طالب بن عمر الكثيري (©)