فتوى 2

فتوى 2

  السؤال: يرسل كثير من الأشخاص هذه الرسالة في وسائل التواصل الاجتماعي : صدقة جارية للمرحوم، ثم يرسل ختمة مسجلة لأحد المقرئين، ويقول: ساعد في نشرها، أنت اليوم تنشر للميت، وبكرة ينشر عنك، ما حكم هذه الرسالة شرعاً ؟

 الجواب: الحرص على نفع الميت بما ثبت انتفاعه به من عمل الأحياء عمل صالح يؤجر عليه صاحبه بالقصد الحسن، وخاصة إن كان الميت الوالدين أو أحدهما؛ لما فيه من البر بهما بعد موتهما.

أما بخصوص الصورة المذكورة في السؤال، فالظاهر أنه من باب الدلالة على الخير بنشر المصحف الإلكتروني في وسائل التواصل الاجتماعي، والتصدق بذلك للميت؛ فإن كان ذلك هو المراد صحت الصدقة المذكورة، وانتفع بها الميت كما ينتفع بغيرها من الصدقات التي تصح بإجماع المسلمين، سواءً كانت صدقة النشر منقطعة أم جارية، وهي المحمولة عند أهل العلم على الوقف وشبهه مما يدوم نفعه، وتتحقق الصدقة الجارية في هذه الصورة بما إذا كان للمصحف الإلكتروني المذكور حقوق محفوظة ومميزات وتصاميم إبداعية وخدمات خاصة غير متاحة للجميع تسبل منفعتها من قبل من يملكها.

وإن أراد السائل أن يطلب من القراء التصدق بثواب ما قرءوه للميت تفرّع ذلك على حكم انتفاع الميت بعمل الأحياء، وقد أجمع العلماء على وصول بعض الأعمال للميت وانتفاعه بها؛ كالصلاة عليه، والدعاء والاستغفار له، والحج عنه، والصدقة عليه.

واختلفوا في بعض آخر من الأعمال التطوعية، ومنها وصول ثواب القراءة للميت.

 فذهب الحنفية والحنابلة والمتأخرون من المالكية والشافعية  إلى وصول ثواب ذلك للميت قياساً على الأعمال التي صرحت بعض الأدلة بوصول ثوابها إلى الميت، كالدعاء والصدقة والحج والصيام، وهذا مارجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله شريطة عدم أخذ الأجرة على ذلك.

 وذهب جمع من أهل العلم إلى القول بعدم وصول ثواب ذلك، وهو قول المتقدمين من المالكية والشافعية، ومنهم الإمام الشافعي رحمه الله نفسه.

 ولعل هذا هو الأقرب والأحوط لقوة دليله، لاسيما وأن الأصل في العبادات الحظر والمنع حتى يرد الدليل، وفعل القرب من حي لميت مسلم لا يجوز إلا في حدود المأذون به شرعاً، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، كما لم يثبت عن أحد من أصحابه رضوان الله عليهم، ولو كان الميت ينتفع بشيء من ذلك لحرص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودلّ أمته عليه.

والقول بوصول الثواب له حظ من النظر فهو قول جمهور أهل العلم، فلا يثرب على من قال به، ولا يبدع من ذهب إليه.

وعلى القول بالجواز فلا ننصح باستعمال الطريقة التي ذكرها السائل؛ لما فيها من الامتهان والابتذال بشيء متاح هو أو جنسه لكل من أراد، والمعلوم سلفاً أن المرسل إليهم لا يستجيبون لمثل هذا الطلب، ولما فيها من الإلحاح بطلب المشاركة في تقديم النفع، وفيما هو مشروع من الترحم على الموتى والاستغفار لهم والتصدق عنهم مندوحة عن ذلك. 

 ▪ونلفت النظر إلى أن قول السائل: "للمرحوم فلان" جائز إن كان المقصود التفاؤل بالمصير أو الدعاء؛ ولا يجوز الجزم في أمر غيبي كهذا. 

وفقنا الله وإياك لكل خير، وغفر لموتانا وموتاكم وموتى المسلمين، والله أعلى وأعلم .

                  

 

حقوق النشر محفوظة لدى موقع الشيخ طالب بن عمر الكثيري (©)