المقالات والمطويات » المقالات » فقة منتجات العمل الخيري » حكم أخذ جامع التبرعات نسبة مما يجمعه

حكم أخذ جامع التبرعات نسبة مما يجمعه

حكم أخذ جامع التبرعات نسبة مما يجمعه

صورة المسألة: إعطاء الساعي نسبة من مجموع التبرعات التي يجمعها  مقابل عمله، إما في صورة راتب أو مكافأة.

التخريج الفقهي للمسألة:

تخرج هذه الصورة على أحد ثلاثة تخريجات: [2]

التخريج الأول: أنها شركة مضاربة بين المؤسسة والجامع للتبرعات.

ووجه التخريج: أن الجامع يقدم العمل، والمؤسسة تعطيه مقابل ذلك  نسبة من عمله.

 

ويعترض على هذا التخريج من وجهين:

الوجه الأول: أن رأس المال لم يقدم من المؤسسة، وإنما من المتبرع، ولم  يتفق المتبرع مع الجامع على نسبة؛ ففارقت المضاربة.

وقد يجاب: أن المؤسسة الخيرية أذنت للجامع في استلام ما يخصها من  تبرعات المتبرعين، وأخذ نسبة منها مقابل ذلك؛ فتكون بمثابة من قدّم رأس المال.

 

والوجه الثاني: أن الجامع ليس منمِّ للمال؛ فلا يستحق أجرة على جمعه؛  بخلاف المضارب.

 

التخريج الثاني: أنه عقد إجارة.

ووجهه: أن الجامع يقوم بالعمل؛ وهو جمع التبرعات مقابل أجر يحصل عليه  من المؤسسة.

واعترض على هذا التخريج: بأنه لا يجوز أن تُجعل أجرة العامل نسبة مما  ينتج من عمله.

وأجيب: أن هذه المسألة مما اختلف فيه أهل العلم على قولين، أرجحها  جواز أن تُجعل أجرة الأجير جزءًا مشاعاً ينتج من عمله؛ لقوة الأدلة التي دلت على ذلك؛ كحديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي أخرجه الشيخان[3] أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عامل أهل خـيبر بشطر ما  يخرج منها من ثمر أو زرع، ولحصول التراضي بما هو أقرب للعدل.

واعترض على تخريج عمل جامع التبرعات بأنه عقد إجارة: بأن العمل الذي يقوم به الجامع غير معلوم؛ فلا تصح هذه المعاملة.

 

التخريج الثالث: أنه عقد جعالة.

ووجه التخريج: أن عمل الجامع عمل ينظر فيه إلى نتيجة العمل لا إلى  ذات العمل، ولا يشترط في الجعالة أن يكون العمل معلومًا، كما نصّ الفقهاء، قال السيوطي - رحمه الله- في بيان ما افترقت فيه الإجارة والجعالة: "افترقا في أمرين: أحدهما: تعيين العامل في الإجارة دون الجعالة، والآخر: العلم بمقدار العمل معتبر في الإجارة دون الجعالة ".[4]

ويعترض على التخريج: بأنه يشترط في عقد الجعالة كون الجعل معلومًا؛  فلا يصح إعطاء الأجير نسبة من ناتج عمله.

ويجاب: بأن الراجح جواز الجعالة بنسبة شائعة؛ كالإجارة. [5]

 

القول المختار من التخريجات الثلاثة:

الأقرب أن صورة العقد صورة الجعالة، وقد توفرت شروط جوازها، وبقي أن يقال: هل تصح الجعالة على عوضٍ متفق عليه مع المؤسسة الخيرية دون علم المتبرع بالمال؟، اختلف العلماء المعاصرون في حكم هذه المسألة على قولين:

أولاً: أقوال أهل العلم المعاصرين في المسألة، وأدلتهم:

القول الأول: الجـواز. [6]

واستدلوا من الكتاب والمعقول:

استدلوا من الكتاب: بقوله تعالى: ﴿ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا  [7]

ووجه الدلالة: إن الله تعالى فرض للعاملين على جمع الزكاة المفروضة  نصيبًا بقدر عملهم، فمن باب أولى أن يُعطى من يسهم في جمع التبرعات المندوبة؛ لأن باب الصدقات أوسع. [8]

 

(1) واستدلوا من المعقول بدليلين:

الدليل الأول: أن هذا الاستقطاع في مقابل ما يقوم به الجامع من جهد ووقت، وما يبذله من مال لجمع هذه الصدقات. [9]

الدليل الثاني: أن في هذا تحفيزًا للجامع لبذل جهد أكبر، كما أن فيه تحفيزًا لغيره.[10]

 

القول الثاني: عدم الجواز.[11]

واستدلوا من المعقول بدليلين:

الدليل الأول: أن المتبرع لم يقصد التصدق لهؤلاء الجباة. [12]

وقد يناقش هذا الاستدلال: بأن الجامع أخذ أجرته من المال الذي صار ملكًا  للمؤسسة الخيرية.

وقد يجاب: أن المؤسسة الخيرية ليست إلا وكيلة للمتبرع في صرف المال  بحسب أمره، ولا يحق لها أن تتصرف في المال تصرف المالك.

 

الدليل الثاني: أن عدّ هذه النسبة المستقطعة مقابل الأجرة على السعي  في الجمع لا يجوز؛ لكونها أجرة مجهولة، ومشاعة تنتج من ذات عمل الأجير. [13]

ونوقش: بجواز ذلك كما سبق.

القول المخـتار في أخذ الجامع نسبة مما يجمعه:

الحكم في هذه المسألة ينبغي النظر فيه إلى جهتين:

الجهة الأولى: جهة العلاقة بين المؤسسة والجامع: وهو عقد جعالة،  وسبق قريبًا جوازه.

 

الجهة الثانية: جهة العلاقة بين المتبرع والجامع؛ حيث إن الجامع يأخذ  أجرة عمله نسبة من تبرع المتبرع، فهل يصح هذا؟.

لا شك في الجواز إذا أذن المتبرع، أما إذا لم يأذن فإن هذه المسألة تخضع لدخول عمل العامل ضمن حدود تطبيق إرادة المتبرع، فهل يدخل جمع التبرعات في هذا الإذن؟.

 

الذي أختاره أن الصدقات إن كانت معينة؛ ككفالة يتيم، أو بناء مسجد، فلا يظهر جواز الأخذ منها بحجة الجمع؛ لعدم اشتمال الإذن عليها لا عرفًا، ولا عملاً بالأصلح للمتبرع.

 

وإن كانت التبرعات المجموعة عامة جاز أخذ الجامع أجرته نسبةً من المال الذي جمعه؛ لإطلاق المتبرع الإذن للمؤسسة الخيرية في التصرف في المال المتبرع به.

 

وإن كان الجامع سيأخذ راتبًا من المؤسسة فالجواز أولى؛ لعدم ارتباطه بعلاقة معاوضة مع المتبرع؛ فلا يشترط علمه ولا رضاه، وينبغي مراعاة ما يلي:

1- إذا أعطي الجامع راتبًا، فينبغي مراعاة أن يعطى أجرة المثل أو أقل من أجرة المثل، مع اعتبار مدى مشقة العمل، ولوازم ما يحتاج إليه لتنفيذه، ومدى أهلية القائم عليه وخبرته، والأولى في تقديره أن يكون بين الحدين الأعلى والأدنى للمستوى المتعارف عليه في الأجور عادةً.[14]

 

2- وهل الأولى إعطاؤه نسبةً أو راتبًا؟.

والجواب: أن أخذ الجامع نسبةً مما يجمعه خير للمؤسسة من إعطائه راتباً، قد لا يحصله من تبرعات المتصدقين،[15] لكن إذا زاد مبلغ التبرع  كثيرًا، فأخذ النسبة قد لا يناسب أبدًا مقدار الجهد المبذول، بل قد يكون ذلك من عدم رشد المؤسسة الخيرية في صرف أموال الصدقات، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " إن رجالاً يتخوضون[16] في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة"،[17] وفي هذه الحالة، فلتسلك المؤسسات الخيرية سبيلاً وسطًا تقدر فيه الحاجة التي يقتضيها العرف،[18] والله  أعلم.



[1] مختص في فقه منتجات العمل الخيري.

[2] ينظر: الموارد المالية لمؤسسات العمل الخيري المعاصر، دراسة فقهية تأصيلية، د. طالب الكثيري، ص(532-5400).

[3] أخرجه البخاري في كتاب (41) الحرث والمزارعة، باب (8) المزارعة بالشطر ونحوه، ص(459)، برقم2328، ومسلم في كتاب (233) المساقاة، باب (1) المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع، ص(634)، برقم1551.

[4] الأشباه والنظائر، ص(642)، والروض المربع، للبهوتي، (2/ 172).

[5] ينظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، (20/ 509).

[6] ينظر: فتاوى الهيئة الشرعية بالندوة العالمية للشباب الإسلامي، محضر الاجتماع الخامس بتاريخ 14/ 10/ 1422هـ، ص(255)، ومجموع فتاوى ابن عثيمين ورسائله، (18/ 365)، وفتاوى في أحكام الزكاة، له، ص(365)، و100 سؤال وجواب في العمل الخيري، لابن جبرين، ص(36)، وفتاوى موقع الشبكة الإسلامية معدلة: د.عبد الله الفقيه، رقم الفتوى 50816، بعنوان: مسائل تتعلق بأعمال الجمعيات الخيرية، بتاريخ 19 جمـادى الأولى 1425هـ، وفتاوى موقع الإسلام اليوم: هانـي بن عبد الله الجبير، ود. عبد الكريم زيدان عن استفتاء هاتفي بشرط أن يأخذ أجرة مناسبة لعمله لا نسبة مما جمعه.

[7] [ التوبة: ٦٠] .

[8] ينظر: مجموع فتاوى ابن عثيمين ورسائله، (18/ 365).

[9] ينظر: فتاوى قطاع الإفتاء بالكويت، (4/ 70).

[10] ينظر: 100 سؤال وجواب في العمل الخيري، لابن جبرين، ص(36).

[11] ينظر: فتاوى قطاع الإفتاء بالكويت، (14/ 93)، و(13/ 105)، ويستثنى من ذلك إذا أذن المتبرعون، وقارن بـ(4/ 700)، والفقه الإسلامي وأدلته، للزحيلي، (5/ 3835).

[12] ينظر: الفقه الإسلامي وأدلته، للزحيلي، (5/ 3835).

[13] ينظر: المصدر السابق، والصفحة نفسها.

[14] ينظر: فتاوى الهيئة الشرعية بالندوة العالمية للشباب الإسلامي، محضر الاجتماع الخامس، بتاريخ 14/ 10/ 1422هـ، ص(255).

[15] ينظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، (20/ 509-510).

[16] أي يتصرفون في مال الله تعالى بما لا يرضاه الله، وقيل: هو التخليط في تحصيله من غير وجهه كيف أمكن، ينظر: النهاية، لابن الأثير، (2/ 888).

[17] أخرجه البخاري في كتاب (57) فرض الخمس، باب (7) قول الله تعالى: ﴿ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ﴾ [الأنفال: 41]، ص(633)، برقم31188،  عن خولة الأنصارية رضي الله عنها.

[18] وقد سألت بعض المتخصصين في تسويق العمل الخيري فاقترح أن يُعطى من جمع أقل من مائة ألف نسبة معينة كـ 55%، ومن جمع ما بين مائة ألف إلى مليون مبلغ سبعة آلاف، ومن جمع أكثر من ذلك فله في كل مائة ألف ستة آلاف، مثلاً.

حقوق النشر محفوظة لدى موقع الشيخ طالب بن عمر الكثيري (©)