المقالات والمطويات » المقالات » فقة منتجات العمل الخيري » الاستفادة من الاسم الخيري في إقامة المشاريع التجارية

الاستفادة من الاسم الخيري في إقامة المشاريع التجارية

الاستفادة من الاسم الخيري في إقامة المشاريع التجارية

تطلب بعض الشركات الاستثمارية من المؤسسات الخيرية أن تقوم برعاية بعض المعارض أو الأسواق الخيرية التجارية، وتحصل هذه الشركات بمقتضى هذه الرعاية من الجهات الحكومية على التصاريح الرسمية، والإعفاءات الجمركية، والأرض اللازمة لإقامة المشروع.

 

وفي المقابل تشترط المؤسسات الخيرية عددًا من المطالب لقبول الرعاية، وتتمثل في الآتي:[2]

‌أ- مطالب إشرافية: وتتلخص في حق المؤسسة الخيرية في الإشراف  على البرامج الدعوية المصاحبة للمعرض، مع الإشراف كذلك على السلع والشركات المشاركة.

 

‌ب- مطالب إعلانية: وتتلخص في تخصيص موقع مميز بمساحة محددة  لأنشطة المؤسسة الخيرية، وطباعة اسم وشعار المؤسسة على جميع الخطابات واللوحات الإعلانية، وعلى الجوائز والشهادات والدروع التذكارية.

 

‌ج- مطالب مالية: وتتلخص في حصول المؤسسة الخيرية على نسبة  معينة من إيرادات واشتراكات المهرجان أو السوق التجاري الخيري، وقد تشترط حصولها على مبلغ محدد متفق عليه، مع حقها أيضًا في جمع التبرعات، والحصول على كافة الهبات المالية والعينية المقدمة للمهرجان.

 

‌د- وتشترط كذلك أن تتولى الجهات التجارية المنظمة القيام بجميع التجهيزات الإنشائية، والفنية، والتغطية الإعلامية، ومخاطبة الجهات  المشاركة.

 

التخريج الفقهي لهذه الصورة:

لهذه الصورة أربعة تخريجات محتملة:

التخريج الأول: أن تخرّج على ما ذكره المالكية - رحمهم الله- من أخذ ثمن الجاه.[3]

ووجه هذا التخريج: أن حصول الجهات التجارية المنظمة على التصاريح والأرض اللازمة لإقامة المشروع إنما هو في مقابل الحصول على اسم المؤسسة الخيرية؛ حيث لا تقدم المؤسسة الخيرية أيّ عمل آخر، بل تشترط - في الغالب- أن تتكفل الجهات المنظمة بالقيام بالمتابعات اللازمة لاستصدار موافقة الجهات الحكومية، وإخراج التصاريح، وجميع التجهيزات.

 

ويرد على هذا التخريج:

1- أنه يمُنع أخذ الأجر على الضمان، [4] فلا يجوز أخذ العوض على مجرد  التحمل في الذمم، وهذه العلة متحققة في هذا التخريج.

ويجاب من وجهين:

الأول: أن أخذ الثمن على الجاه من عقود المعاوضات - فقد عدّه الفقهاء من باب الجعالة[5]- بخلاف الضمان إذ هو من عقود الإحسان والإرفاق.

والثاني: أن أخذ الثمن على الجاه يفارق الضمان بكونه لا يؤول إلى  القرض؛ لأن صاحب الجاه لا يغرم، بخلاف الضامن فإنه يغرم.

 

2- أن أخذ ثمن الجاه عند أكثر المالكية محرم، [6] وإنما أجازه بعضـهم إذا كان بذل الجاه سيكلف صاحبه تعبًا ونفقة، [7] ولا يحصل من المؤسسات  الخيرية إلا موافقة مجردة، وإشراف عام شكلي في الغالب.

 

3- أن كلام المالكية في تجويز أخذ الثمن عوضًا عن الجاه إنما كان في باب الشفاعة، أو الحماية، وهذه الأسباب لا تعلق لها بالمسألة.[8]

 

التخريج الثاني: أنها صورة من صور عقود الإجارة. [9]

ووجه هذا التخريج: أن الحصول على تصاريح هذه المشاريع وتسهيلاتها  من حقوق المؤسسات الخيرية، ويحق لها التنازل عن منفعة هذا الحق لفترة معينة - هي فترة إقامة المشروع- بمبلغ من المال، وهذه هي صورة عقد الإجارة.

 

ويرد على هذا التخريج:

1- أن هذا الحق ليس عينًا أو منفعة يمكن الانتفاع به.

ويجاب: أنه حق من الحقوق المعنوية التي أصبحت لها في العصر الحاضر قيمة مالية معتبرة؛ فصح مقابلته بعوض.[10]

 

2- أن الحكومات لا تسمح بانتقال الحق لغير من صُرح له، والإجارة تنقل حق الانتفاع إلى المستأجر.[11]

وأجيب: أن الحكومات في الغالب لم تعطِ المؤسسات الخيرية هذا الحق إلا ليكون داعمًا ورافدًا ماليًا لها، ومع عجز أغلب المؤسسات الخيرية عن استثمار هذا الحق، لا تمنع الأنظمة من استفادتها منه مباشرة أو عن طريق وسيط.

 

التخريج الثالث: أنها عقد كفالة.

ووجه التخريج: أن الترخيص بقي على اسم المؤسسة الخيرية؛ فتكون في حقيقة الأمر قد كفلت الجهات التجارية في أن تعمل بموجب إذن الجهات الحكومية لها.[12]

 

ويرد على التخريج:

 أن المؤسسة الخيرية قد شاركت الجهات التجارية في القيام ببعض  أعمال المشروع؛ فليس العقد كفالة محضة.

 أن أخذ الأجر على الكفالة - ومنه الترخيص-[13] لا يحل؛ لأنها تبرع ومعروف، وتخريج العقود على ما يصححها أولى. [14]

 

التخريج الرابع: أنها عقد من عقود الشركات، وهي أشبه بشركة العنان.

وقد عرفت شركة العنان: بأن يشترك اثنان فأكثر بماليهما ليعملا فيه ببدنيهما والربح لهما.[15]

 

ووجه هذا التخريج:

أن المؤسسة الخيرية شاركت بحقها في الحصول على التصاريح، والإعفاءات، والتسهيلات، وهي حقوق مالية، بالإضافة إلى قيامها ببعض الأعمال الإشرافية، في مقابل مشاركة الشركات التجارية بتوفير كافة التجهيزات والتكاليف اللازمة لإقامة المشروع، وإدارته.

 

ويرد على هذا التخريج:

أن بعض المؤسسات الخيرية قد تشترط أخذ مبلغٍ محدد، ولا يحل في عقد الشركة أن يشترط أحد المتشاركين مبلغًا محددًا مقطـوعًا يحصـل عليه، قال ابن المنذر - رحمه الله -: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدهما، أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة ".[16]

 

كما أنه قد ينازع في قيام المؤسسة الخيرية بعمل معتبر ضمن هذه المعاقدة.

 

الترجيح بين التخريجات السابقة، والقول المخـتار في المسألة:

تخريج هذه الصورة على عقد الإجارة أقرب، إذا كان النظام الذي أصدر للمؤسسة الخيرية التصريح يسمح بمثل هذه المعاقدة، وتخريجها على عقد الإجارة يجيز الصورتين؛ أن تأخذ المؤسسة الخيرية مبلغًا مقطوعًا، أو نسبة من الأرباح. [17]



[1] مختص في فقه منتجات العمل الخيري.

[2] حصلت على هذه المعلومات من خلال التصورات التي تقترحها بعض  المؤسسات الخيرية، والعقود التي تجريها مع الشركات طالبة الرعاية.

[3] ينظر: منح الجليل، لعليش، (3/ 48-49)، وتقريراته على حاشية الدسوقي، (4/ 363)، والمعيار المعرب، للونشيريسي، (8/ 2977)، وينظر أيضًا: مغني المحتاج، للشربيني، (2/ 584)، وأحكام الجاه في العبادات والمعاملات، لنايف الصايغ.

[4] ينظر: الإشراف، لابن المنذر، (6/ 230)، ونقل الخلاف عن إسحاق بن راهويه، ينظر: المصدر السابق، والحاوي، للماوردي، (6/ 4433).

[5] ينظر: المعيار المعرب، للونشيريسي، (8/ 297)، ومغني المحتاج، للشربيني، (2/ 5844).

[6] ينظر: الفواكه الدواني، للنفراوي، (2/ 463)، ومواهب الجليل، للحطاب، (6/ 273)، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، (4/ 1244)، وحاشية الصاوي على الشرح الصغير، (2/ 40)، ومنح الجليل، لعليش، (2/ 587)، ونقل ابن تيمية تحريمه عن السلف والأئمة الأكابر في مجموع فتاويه، (31/ 287).

[7] ينظر: تقريرات عليش على حاشية الدسوقي، (4/ 363)، وأحكام القرآن، لابن العربي، (2/ 486)، وتحفة المحتاج، لابن حجر الهيتمي، (66/ 419-420).

[8] ينظر: حاشية الصاوي على الشرح الصغير، (4/ 384)، ومنح الجليل، لعليش، (3/ 499).

[9] ينظر: فتاوى قطاع الإفتاء بالكويت، (13/ 158).

[10] ينظر: قرار رقم(5) بشأن الحقوق المعنوية، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد (5)، (3/ 25811)، وقرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي بالهند، الندوة 3، ص(68).

[11] ينظر: رد المحتار، لابن عابدين، (9/ 125)، والذخيرة، للقرافي، (6/ 341-342)، وتكملة المجموع، للسبكي، (15/ 3822)، والمغني، لابن قدامة، (6/ 7).

[12] ينظر: مجلة المجمع، العدد الخامس، (3/ 2549).

[13] ينظر: فتاوى قطاع الإفتاء بالكويت، (3/ 139).

[14] ينظر: المغني، لابن قدامة، (6/ 145).

[15] ينظر: رد المحتار، لابن عابدين، (6/ 483)، والشرح الصغير، للدردير، مع بلغة السالك، (2/ 171)، وتكملة المجموع، للسبكي، (14/ 3177)، والمغني، لابن قدامة، (5/ 224).

[16] المغني، لابن قدامة، (5/ 148).

[17] ينظر: الموارد المالية لمؤسسات العمل الخيري المعاصر، دراسة فقهية تأصيلية، د. طالب الكثيري، ص(647-6511).

حقوق النشر محفوظة لدى موقع الشيخ طالب بن عمر الكثيري (©)