مشروع المزاد الخيري

مشروع المزاد الخيري

عمدت المؤسسات الخيرية في جمع وتنمية مواردها المالية إلى أنشطةٍ وصيغٍ تجارية متعددة؛ حرصت من خلالها على الآتي:

‌أ- الاستفادة من كل تبرعٍ مهما قلّ؛ سواء كان ماليًا، أم عيـنيًا، أم كان حقًا معنويًا، أم جهدًا تطوعيًا.

 

‌ب- تشجيع المتبرعين من خلال هذه الصيغ الاستثمارية للمشاركة في التبرعات طلبًا للأجر، أو للمشاركة في الاستثمارات بحثًا عن الربح.

 

‌ج- إيجاد الموارد المالية المستمرة التي تدعم الأعمال الخيرية، وتضمن  استقلاليتها.

 

وهذه الصيغ والتعاملات الاستثمارية وإن بقت على صورة المعاوضة المالية، فقد جاذبتها نواحي قصد الإحسان والإرفاق التي تسعى لها المؤسسات الخيرية والمتبرعون، مما جعل لهذه الأنشطة طابعًا خاصًا، تولدت عنه عدة إشكالات،[2] ومن تلك الصور:

مشروع المزاد الخيري:

تلجأ بعض المؤسسات الخيرية إلى إقامة أسواق خيرية تبيع فيها بعض السلع، وتسوّق من خلالها بعض منتجاتها؛ كإحدى الوسائل المتاحة لجمع التبرعات، ولدعم مشروعاتها الخيرية، وقد تكون هذه السلع المعروضة:

‌أ- لوحات فنية.

‌ب- قطع ذهبية.

‌ج- ملابس منسوجة.

‌د- خردوات، وأدوات مستعملة.

‌هـ- كروت بريدية تحمل شعارات ومناظر مختلفة، وغير ذلك.

 

وقد تباع هذه السلع من خلال معارض للبيع، أو من خلال مزاد علني يُزايد فيه لشراء السلع، وغالبًا ما تقام هذه المزادات في مناسبة معينة تنظمها المؤسسة الخيرية؛ كاحتفالها السنوي، أو تفاعلاً مع إقبال الناس على الخير في شهر رمضان المبارك، ونحو ذلك، ويتخرج حكم هذه المسألة ابتداءً على حكم البيع بالمزاد، والصواب جوازه، كما هو مذهب الجمهور، من الحنفية،[3] والمالكية،[4] والشافعية،[5] والحنابلة،[6] واختاره ابن حزم؛[7] لأن الأصل في المعاملات الحلّ.

 

وإذا ظهر وجه القول بالجواز، فإن هذه المزادات في المؤسسات الخيرية تتم مع ملاحظة قصد التبرع للمشروعات الخيرية؛ إذ تباع السلع المعروضة بثمنٍ أكبر بكثير من القيمة الحقيقية لها، ومثل هذه المعاملات جائزة، ولا حرج فيها لقيامها على التراضي، وقد حثت الشريعة على مقصد الإرفاق في المعاملات المالية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى". [8]

 

ومن الضوابط التي ينبغي الانتباه لها في هذا الباب:

1- أن تكون السلع مباحة شرعًا؛ فلا تباع صور ذوات الأرواح، أو الملابس التي تنافي الحياء والحشمة.

 

2- ألا يقصد البائع أو المشتري بذلك الرياء والمفاخرة.

 

3- ألا يذهب شيء من الريع لغير الجهة الخيرية المعلن عنها، وإذا أراد صاحب السلعة أن يحصل على قسط من ريع بيعها، فلا بد أن يُبين هذا للمشتري (المتبرع)، وألا يزيد ذلك عن القيمة الفعـلية لها.

 

4- أن يكون الزائد مريداً للشراء، وإلا كان نجشاً، والنجش محرم.

 

5- ألا يحدث هذا المزاد في المسجد، فقد كره جمهور أهل العلم البيع والشراء في المسجد، [9] لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك"، أخرجه الترمذي. [10]



[1] مختص في فقه منتجات العمل الخيري.

[2] ينظر: الإشكاليات الفقهية العشر أمام منتجات العمل الخيري والعمل المصرفي، د. طالب الكثيري، ص(39 - 455).

[3] ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني، (5/ 232)، وشرح فتح القدير، لابن الهمام، (6/ 439)، والبحر الرائق، لابن نجيم، (6/ 1088)، ورد المحتار، لابن عابدين، (7/ 305)، واللباب، للميداني، (2/ 29).

[4] ينظر: الإشراف، لعبد الوهاب، (2/ 572)، والبيان والتحصيل، لابن رشد، (8/ 475)، والتاج والإكليل، للمواق، (6/ 3755)، ومواهب الجليل، للحطاب، (6/ 26)، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، (4/ 110).

[5] ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي، (5/ 344)، والمهذب، للشيرازي، مع المجموع، (13/ 30 - 31)، ونهاية المطلب، للجويني، (5/ 4377)، والعزيز، للرافعي، (1/ 130)، ونهاية المحتاج، للرملي، (3/ 468).

[6] ينظر: مسائل الإمام أحمد بن حنبل وابن راهويه، للمروزي، (6/ 2572-2573)، والمغني، لابن قدامة، (4/ 301)، والكافي، له، (3/ 399)، وكشاف القناع، للبهوتي، (3/ 183)، ومطالب أولي النهى، للرحيباني، (3/ 56)، ومنار السبيل، لابن ضويان، ص(286).

[7] ينظر: المحلى، (7/ 372).

[8] أخرجه البخاري، في كتاب (34) البيوع، باب (16) السهولة والسماحة في الشراء والبيع، ومن طلب حقًا فليطلبه في عفاف، ص(4099)، برقم2076، عن جابر رضي الله عنه.

[9] ينظر: رد المحتار، لابن عابدين، (3/ 440)، والتاج والإكليل، للمواق، (7/ 619)، والمجموع، للنووي، (2/ 200)، والمغني، لابن قدامة، (4/ 3377).

[10] في كتاب (11) البيوع، باب (76) النهي عن البيع في المسجد، ص(232)، برقم13211، وحسنه ابن حجر في نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار، (1/ 295).

حقوق النشر محفوظة لدى موقع الشيخ طالب بن عمر الكثيري (©)